عندما نتأمل آيات القرآن، نكتشف أن الهداية ليست مجرد معرفة، بل هي نور يقذفه الله في القلب، فتُضيء به البصيرة، ويهتدي به السائر إلى الطريق المستقيم.
يقول الله تعالى:
﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۖ فِيهِۖ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]
فالهداية هي أوّل ما يُنسب لهذا الكتاب، بل هي غايته الكبرى.
أنواع الهداية في القرآن:
في القرآن نوعان من الهداية:
هداية البيان والإرشاد: وهي التي تشمل الجميع، مثل إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الطريق.
قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ﴾ [فصلت: 17]هداية التوفيق والإلهام: وهي خاصة، لا يملكها إلا الله، ولا تُعطى إلا لمن أراد الله له الخير.
قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ﴾ [القصص: 56]
كيف يقودنا القرآن إلى الصراط المستقيم؟
القرآن لا يضع لك خارطة فقط، بل يزرع في قلبك بوصلة. تقرأ آياته، فيتغيّر وعيك، وتتبدل رؤيتك، ويصبح الطريق المستقيم واضحًا، لا يشوبه التباس.
يقول تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]
كيف؟
بالآيات التي تُريك الحق والباطل.
بالقصص التي تُريك مصير الضالين والمهتدين.
بالأمثال التي تكشف طبيعة الدنيا والآخرة.
بالأحكام التي تنظّم العلاقة بين العبد وربه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان.
متى تبدأ الهداية؟
عندما يصدق القلب في طلبها.
قال تعالى:
﴿وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُم﴾ [محمد: 17]
فالهداية عطية ربانية، لكنها تبدأ بخطوة منك، بخضوع قلبك للحق، واستعدادك للاتباع. كل آية من القرآن حين تُقبِل عليها بنية التعلم والعمل، تفتح لك بابًا من النور.
تأمل شخصي:
حين أقرأ قوله تعالى:
﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]
أدرك أنها ليست مجرد دعاء نردده، بل هي اعتراف بعجزي عن الاهتداء وحدي، وإقرار بأن الهداية رزق، وأن الطريق المستقيم لا يُدرك بالعقل وحده، بل بتوفيق من الله، واستجابة للآيات حين تُتلى.
القرآن ليس كتاب معلومات… بل كتاب هداية، إذا فتح الله لك فيه بابًا، قادك من نفسك إلى ربك، ومن التيه إلى الصراط المستقيم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين” [متفق عليه]
الفهم هو أول علامات الهداية، وإذا فُتح لك فهم الآيات، فاعلم أن الله يحبك.
القرآن لا يقود إلا من استسلم له. إن كنت تبحث عن النور، فلا تقرأه كقارئ، بل كطالب نجاة.