يعيش الإنسان يوميًا بين سؤالين: هل أنا حرٌّ في اختياراتي؟ أم أن كل ما يجري قد كُتب عليّ؟
وهذا السؤال لم يكن غريبًا عن نفوس الصحابة والتابعين، لكن القرآن، حين نُقبِل عليه بوعي، يمنحنا مفاتيح للفهم العميق لهذا التوازن بين إرادة الإنسان وإرادة الله.
القرآن الكريم يؤكد على حرية الإنسان في مواضع كثيرة، يقول تعالى:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]
أي بيّنا له طريق الخير وطريق الشر، وتركنا له حرية السير.
وفي موضع آخر:
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3]
تدل على أن الهداية العامة متاحة للجميع، لكن القبول والاتباع يرجع لاختيار العبد.
لكن، بالمقابل، يُذكّرنا القرآن أن مشيئة الله فوق كل مشيئة، وأن ما يقع في حياتنا من أحداث لا يخرج عن تقدير الله، قال تعالى:
﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: 30]
هذا لا ينفي حريتنا، بل يضعها في سياقها الحقيقي:
نحن نختار، والله يعلم ويقدّر، وقد يعطّل اختيارنا لحكمة أو يمكّنه لغاية.
ومن هنا تتجلّى عظمة الإسلام:
يعترف بحريتنا الأخلاقية ومسؤوليتنا، ويزرع فينا الرضا حين لا تسير الأمور كما نشاء.
فالمؤمن يتحرك بكل طاقته، ويدعو، ويخطط، لكنه يرضى ويُسلّم، لأنه يعلم أن وراء كل قدر حكمة.
حين تفهم كيف تعمل سنن الله، تبدأ بالتسليم للحكمة خلف ما تجهله، فتطمئن وتتحرر من ثقل الأسئلة المؤلمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله، وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان.”
رواه مسلم.
الحرية الحقيقية هي أن تتحرك بإرادتك في أرض الله، ثم تُسلّم قلبك لقدره بثقة لا ارتياب فيها.