الفهرس
Toggleالمنعم الكريم المانح الذي يجود على خلقه بالعطايا والهبات وأنواع الخيرات, بحفاوة وسخاوة بلا مقابل أو حساب, ولا تنضب عطاياه ولا تنفد خزائن رحمته قال تعالى: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾
عندما يشتد بك الفقر، أو يثقل قلبك بالهم، أو تشعر أن ما تطلبه أعظم من قدراتك، تذكّر أن لك رباً اسمه الوهاب، يعطي بلا حساب، ويهب بلا مقابل، ويمدّ بلا استحقاق.
الوهاب هو اسم من أسماء الله الحسنى، يدل على كمال عطاء الله وفضله، وعلى أنه سبحانه كثير المواهب، دائم العطايا، واسع الكرم، لا يمنعه مانع، ولا يحدّه حد.
الفرق بين “العطاء” و”الهبة” أن الهبة أوسع وأكرم؛ فالعطاء قد يكون مقابل جهد أو عمل، أما الهبة فهي عطاء محض من دون مقابل، تفضّل به المعطي على من أحبّ. فكيف إذا كان الوهاب هو الله جل جلاله، الذي يهب بلا سبب، إلا رحمته ولطفه وحكمته؟
المعنى اللغوي لاسم الله “الوهاب”
لفظ “الوهاب” مشتق من الفعل “وهب”، والوهب في اللغة هو الإعطاء بلا عوض، ومن غير انتظار ردّ أو مقابل. وإذا جاء بصيغة المبالغة “الوهاب”، دلّ على كثرة العطاء وسعته واستمراره.
وفي القرآن الكريم ورد اسم الله “الوهاب” ثلاث مرات:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8]
وقوله سبحانه:
“أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ” [ص: 9]
وفي دعاء سليمان عليه السلام:
“قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [ص: 35]
الفرق بين الوهاب والرازق والمعطي
قد يتبادر إلى الذهن سؤال: إذا كان الله هو الرزاق والمعطي، فما خصوصية اسم “الوهاب”؟
-
الرزاق: يعطي ما يحتاجه العبد للبقاء والمعاش، وفق قدر وحكمة.
-
المعطي: يشمل كل أنواع العطاء، مع أو بدون سبب.
-
الوهاب: يفيض عطاءه بغير سبب من العبد، وبزيادة عن الحاجة، ويمنح ما لم يطلبه العبد أحياناً، رحمةً وكرماً.
الوهاب لا يهب فقط المال أو المتاع، بل يهب الإيمان، والعلم، والحكمة، والصحّة، والأمان، والمحبة، والهداية، وحتى اللحظات الجميلة في حياتك هي هبات من الله.
أنواع هبات الله الوهاب
اسم الله الوهاب يشمل أنواعاً كثيرة من الهبات، وكلها من غير مقابل، وأحياناً من غير طلب:
1. الهبة بالخلق والإيجاد
أول وأعظم هبة من الله هي أن أوجدك من العدم، وأعطاك الحياة، ومنحك سمعاً وبصراً وفؤاداً. قال تعالى:
“وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ” [النحل: 78]
2. الهبة بالهداية والإيمان
الهداية أعظم الهبات، فهي طريقك إلى الله وجنتِه. كم من أناس حُرموا الهداية رغم علمهم، وكم من أناس هُدوا رغم جهلهم السابق، وكل ذلك وهب من الله.
3. الهبة بالعلم والحكمة
العلم نور، ومن وهبه الله الفهم في الدين أو الدنيا، فقد منحه كنزاً لا يُقدّر بثمن.
4. الهبة بالذرية
الأبناء هبة من الله، كما قال تعالى:
“يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ” [الشورى: 49]
5. الهبة بالرزق والبركة
قد يهبك الله رزقاً واسعاً بلا تعب كبير، أو يهبك البركة في القليل فيغنيك.
6. هبات المعنويات
كالسكينة في القلب، وحب الناس، ونقاء السريرة، والتوفيق في العمل، كلها هبات لا تُشترى بالمال.
أثر الإيمان باسم الله الوهاب
الإيمان بأن الله هو الوهاب يغيّر نظرتك للحياة ويؤثر على سلوكك:
-
يمنحك الرضا: تدرك أن ما فاتك لم يكن لك، وأن ما وهبك الله إياه هو خيرك.
-
يزيدك تواضعاً: لأنك تعلم أن النعم ليست من جهدك وحدك، بل هي هبة من الله.
-
يشجعك على الدعاء: لأنك تعلم أن خزائن الله لا تنفد، وأنه يحب أن يُسأل.
-
يغرس فيك الكرم: فكما أن الله وهاب، تحب أن تهب غيرك مما لديك.
كيف نتعبد لله باسمه الوهاب؟
-
الدعاء باسمه: كما دعا الأنبياء، فتقول: “يا وهاب، هب لي رحمة، هب لي علماً، هب لي رزقاً، هب لي ذرية صالحة”.
-
التفاؤل وعدم اليأس: لأنك تعلم أن الله قادر أن يهبك ما ظننته مستحيلاً.
-
شكر النعم: لأن شكر النعم سبب لدوامها وزيادتها.
-
إهداء الآخرين: حتى تقتدي بصفة الوهاب في العطاء بلا مقابل.
قصص قرآنية عن هبات الله
1. هبة الولد لزكريا
كان زكريا عليه السلام شيخاً كبيراً، وامرأته عاقراً، ومع ذلك وهبه الله يحيى، فيقول تعالى:
“فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ” [الأنبياء: 90]
2. هبة الملك لسليمان
طلب سليمان عليه السلام ملكاً خاصاً به، فوهبه الله ملكاً لم يكن لأحد من بعده.
3. هبة الرحمة لمحمد ﷺ
أعظم هبة للبشرية كانت إرسال محمد ﷺ رحمةً للعالمين.
الهبات الخفية
ليست كل هبات الله محسوسة، فقد يهبك الله صرف بلاء لم تره، أو سلامة من مرض لم تشعر به، أو يبعد عنك شراً لم تكن تدري أنه قادم. هذه الهبات الخفية هي من أعظم صور لطف الله الوهاب.
متى تكون الهبة امتحاناً؟
قد يمنحك الله هبةً ليختبرك بها، مثل المال أو القوة أو المنصب. فإن شكرت واستعملتها في الخير، كانت نعمة، وإن كفرت بها واستعملتها في الشر، صارت نقمة.
ما يفتح باب هبات الله؟
-
التقوى: قال تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا” [الطلاق: 2]
-
الدعاء: لا شيء أعظم من سؤال الوهاب مباشرة.
-
الصدقة: من أعطى لله، أعطاه الله أضعافاً.
-
الإحسان للخلق: فالله يحب المحسنين ويجزيهم من عطائه.
اسم الوهاب في حياة المسلم اليومية
-
عند الاستيقاظ: تستشعر أن حياتك نفسها هبة.
-
عند الأكل والشرب: ترى أنها هبات متجددة.
-
عند الشدائد: تذكّر أن الوهاب قادر أن يهبك الفرج.
-
عند الإنجاز: تحمده لأنه وهبك التوفيق.
لماذا قد يمنع الله الهبة أحياناً؟
قد يمنعك الله مما تحب، لأنه يعلم أن فيه ضرراً لك، أو لأنه يريد أن يعطيك ما هو أعظم وأبقى. وهذا من كمال رحمته وحكمته.
عندما تدرك أن الله الوهاب هو الذي يهبك النعم قبل أن تطلبها، ويمنحك العطاء قبل أن تستعد له، ويغدق عليك الخير من حيث لا تحتسب، فإن قلبك يمتلئ يقينًا ورضًا، وتزول عنك كل مخاوف الفقد، لأنك تعلم أن عطاياه لا تنقطع، وأن خزائنه لا تنفد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب.”
(رواه أحمد)
هذا الحديث يذكّرنا أن أعظم هبة من الوهاب ليست المال ولا الجاه، بل الإيمان الذي ينير القلب ويهدي الطريق.
من عرف أن الله هو الوهاب، لم يعلّق قلبه إلا به، ولم يمدّ يده إلا إليه.
تابعونا على قناتنا الرسمية “نور وهدى” على اليوتيوب
ندعوكم لزيارة قناتنا “نور وهدى” التي أعددناها خصيصًا لنشر النور الرباني والمعرفة الإيمانية.
تجدون فيها:
القرآن الكريم كاملًا بصوت الشيخين عبد الباسط عبد الصمد وسعد الغامدي
برامج متميزة مثل “شرعة ومنهاج” لعبد العزيز الطريفي، و“الأمثال القرآنية” لمحمد صالح المنجد
خطب الجمعة، وفيديوهات دعوية وتنويرية تلامس القلوب والعقول
سلسلة “من الظلمات إلى النور”: قصص دخول غير المسلمين إلى الإسلام
🔔 ندعوكم للاشتراك وتفعيل الجرس لتكونوا معنا في رحلة النور والهدى والعلم.