الفهرس
Toggleالذي له الملك الحقيقي الكامل التام الأزلي الذي لا ينقضي ولا يزول ولا يتغير ولا يحول فهو الملك الحق الذي ذلت له الرقاب وخضعت له السماوات و الأرض ومن فيهن, يتصرف في ملكه كيف يشاء و يحكم فيه ما يريد, أما ما يعيطه لعبيده فملك حادث مؤقت زائل وكل عبيده له خاضعون وتحت سلطان ملكه مقهورون ولا يبقى إلا ملكه سبحانه: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾, و الدليل على اسم الله الملك قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾
عندما تنظر إلى الكون الفسيح، بكل ما فيه من مجرات وأرضين وسماوات، وتدرك أن هناك خالقًا يملك كل ذرة فيه ملكًا حقيقيًا مطلقًا، تعلم أن هذا الخالق هو الله الملك، الذي له السلطان التام على كل شيء، والذي لا ينازعه أحد في حكمه أو ملكه.
الملك هو الذي له الملك الكامل، ملك التصرف، وملك الحكم، وملك الغنى، وملك القدرة، وملك الإحاطة. ليس ملكه كسائر الملوك، فهو ملك الدنيا والآخرة، ملك الخلق والأمر، ملك السر والعلن، ملك الأجساد والقلوب.
المعنى اللغوي لاسم “الملك”
كلمة الملك في اللغة مأخوذة من “المِلك” و”المُلك”، وتعني التملك والسيادة والسلطان، وحق التصرف المطلق. ويقال “ملك الشيء” إذا كان قادرًا على التحكم فيه بلا معارضة.
أما في حق الله تعالى، فإن “الملك” يعني أن كل شيء في الوجود ملك له حقيقةً، ملكًا مطلقًا دائمًا، وأن كل المخلوقات عبيد في ملكه، لا يخرجون عن إرادته، ولا يمتنعون عن قضائه.
“الملك” في القرآن الكريم
ورد اسم “الملك” في القرآن في مواضع متعددة، منها قوله تعالى:
“فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ “ [طه: 114]
“هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ” [الحشر: 23]
كما أن صفة الملك لله جاءت مقرونة بصفات الجلال والكمال، مثل:
-
الملك الحق
-
الملك القدوس
-
الملك العزيز
الفرق بين “الملك” و”المالك”
-
الملك: هو صاحب السلطان والسيادة المطلقة على كل شيء، من غير أن يملك أحدٌ معه شيئًا استقلالًا.
-
المالك: هو الذي يملك الأشياء ويحق له التصرف فيها.
الله تعالى جمع الصفتين معًا: فهو الملك المالك، الذي يملك الخلق ويملك التصرف فيهم، في الدنيا والآخرة.
أنواع ملك الله
1. ملك الخلق
كل شيء مخلوق فهو مملوك لله: الإنسان، الحيوان، الجماد، الملائكة، الجنة، النار، السماوات، والأرض.
2. ملك التصرف
لا يقع شيء في الكون إلا بإذن الله وتقديره، فهو الذي يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض.
3. ملك الحكم
لا حكم إلا حكم الله، ولا شريعة إلا شريعته، ولا قضاء إلا قضاؤه.
4. ملك الجزاء
في الآخرة، يتجلى ملك الله التام حين ينادي:
“لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” [غافر: 16]
أثر الإيمان باسم الله الملك في حياة المسلم
-
الخضوع التام: إدراك أن الله الملك يجعل القلب خاشعًا أمام أوامره ونواهيه.
-
التحرر من عبودية البشر: لأن المؤمن يعلم أنه عبد لله وحده.
-
الزهد في الدنيا: فملك الله هو الباقي، وملك البشر زائل.
-
الطمأنينة: لأن الملك القادر هو من يدبّر حياتك.
كيف نتعبد لله باسمه الملك؟
-
في الصلاة: نستحضر أن الله هو الملك الحق الذي نقف بين يديه.
-
في الدعاء: نطلب منه بصفته الملك الذي يملك العطاء والمنع.
-
في السلوك: نتعامل مع الدنيا كأمانة في ملك الله، فنستعملها فيما يرضيه.
قصص قرآنية توضح معنى الملك
-
قصة فرعون: الذي ادعى الملك، لكن الله أذله وأغرقه ليعلم أن الملك لله وحده.
-
قصة سليمان عليه السلام: الذي أعطاه الله ملكًا عظيمًا، لكنه بقي عبدًا شاكرًا لله.
الملك في الآخرة
في الدنيا، قد يملك البشر بعض الأشياء ملكًا نسبيًا مؤقتًا، لكن في الآخرة يتجلى الملك الحق لله وحده، حيث لا سلطة ولا قوة لأحد سواه.
“يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” [غافر: 16]
البعد الروحي لاسم الله الملك: كيف يغير الإيمان به حياتك اليومية
الإيمان بأن الله هو الملك ليس مجرد معرفة عقلية أو معلومة لغوية، بل هو حالة قلبية وروحية تُحدث تحوّلًا حقيقيًا في حياة المؤمن. حين يستقر هذا الاسم في قلبك، يصبح له أثر عميق على نظرتك للوجود، وتعاملاتك مع نفسك والآخرين، وحتى على قراراتك اليومية.
1. تحرير القلب من الخوف من البشر
إذا علمت أن الله هو الملك الحق، فلن يملك قلبك الخوف من أحد، لأن الناس جميعًا عبيد في ملكه، لا يضرون ولا ينفعون إلا بما أذن به الملك سبحانه.
2. إزالة التعلق الزائد بالدنيا
أملاك الدنيا مؤقتة، وكل سلطان فيها زائل، لكن ملك الله دائم لا يزول. هذا اليقين يزرع في قلبك الزهد، فلا تبالغ في التعلق بما في يدك أو يد غيرك.
3. شعور العزة الحقيقية
الإيمان بأنك عبد لملك الملوك يمنحك كرامة داخلية لا تتأثر بفقد منصب أو مال أو مكانة، لأن قيمتك تأتي من انتسابك إلى الله، لا من تقييم الناس.
4. الانضباط والالتزام بالأوامر
إذا كان الله هو الملك الذي يأمر وينهى، فإن طاعته تصبح أمرًا طبيعيًا، ليس بدافع الخوف فقط، بل بدافع الحب والاحترام لسلطانه.
5. الطمأنينة عند تقلب الأحوال
حين تتغير الظروف، أو تفقد شيئًا، أو تأتيك مصيبة، يذكّرك اسم “الملك” أن كل شيء في قبضته، وأن ما أخذه أو أعطاك إياه إنما هو بحكمة ورحمة.
6. إتقان العبودية
الملك يختبر عبيده، ويهيئ لهم فرصًا للارتقاء، فإذا استحضرت ذلك، تعاملت مع حياتك كلها كرحلة طاعة في مملكة الله، لا كمعركة بقاء.
أسماء الله الحسنى
معنى اسم الله (الملك)
و”المَلِك” اسم مِنْ أسماء الله تعالى الحُسْنى. و”المَلِك” عز وجل: بيده مقاليد كل شيء، وعنده مفاتيح كل شيء، ولا ينازعه في مُلكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض، يتصرَّف في ملكه تصرُّف قادرٍ قاهر، لا مُعقب لحكمه ولا راد لقضائه.. ومُلك الله مُطْلَق، إيجادا، وتصرفا، ومصيرا، ومُلك المخلوقين نسبي، مآله إلى الزوال، قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(الرحمن:26:27). قال السعدي: “أي: كل مَنْ على الأرض، من إنس وجن، ودواب، وسائر المخلوقات، يفنى ويموت ويبيد ويبقى الحي الذي لا يموت {ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} أي: ذو العظمة والكبرياء والمجد، الذي يُعَظَّم ويُبَجَّل ويُجَل لأجله”.
قال الزجاج في “تفسير أسماء الله الحسنى”: “الملِك”: النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما يملِكه، فالمَلِك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم، والملاك إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى”. وقال الخطابي في “شأن الدعاء”: “المَلِك هو التام المُلك الجامع لأصناف المملوكات”.
وقال الغزالي في “المقصد الأسنى”: “المَلِك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في وجوده ولا في بقائه.. فكل شيء سواه هو له مملوك، وهو مستغن عن كل شيء، فهذا هو الملك مطلقًا”. وقال ابن كثير: “(الملك) جل جلاله هو: المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة”. وقال ابن القيم في “شفاء العليل”: “إن من أسمائه: (المَلِك)، ومعناه المُلك الحقيقي ثابت له سبحانه بكل وجه”.
وقد ورد اسم الله تعالى “المَلِك” في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن ذلك:
1 ـ قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه:114). قال الطبري: “{الْمَلِكُ} الذي لا ملك فوقه ولا شيء إلا دونه”. وقال السعدي: “{الْمَلِكُ} الذي الملك وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم”.
2 ـ قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(المؤمنون:116). قال ابن عاشور: “اللَّهَ هُوَ الْمَلِكُ الَّذِي لَيْسَ فِي اتِّصَافِهِ بِالْمُلْكِ شَائِبَةٌ مِنْ مَعْنَى الْمُلْك. فَمُلْكُه الْمُلْك الكامِل فِي حَقِيقَتِه، الشَّامِلُ فِي نَفَاذِه”.
3 ـ قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}(الحشر:23). قال السعدي: “هذه الآيات الكريمات قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى وأوصافه العُلى، عظيمة الشأن، وبديعة البرهان، فأخبر أنه الله المألوه المعبود، الذي لا إله إلا هو، وذلك لكماله العظيم، وإحسانه الشامل، وتدبيره العام، وكل إله سواه فإنه باطل لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأنه فقير عاجز ناقص، لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا”.
4 ـ قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(الجمعة:1). قال ابن كثير: “أي: هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه”.
5 ـ قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ}(الناس:3:1). قال الطبري: “وهو ملك جميع الخلق: إنسهم وجنهم، وغير ذلك، إعلاما منه بذلك مَن كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم أنه ملك مَنْ يعظمه، وأن ذلك في مُلكه وسلطانه، تجري عليه قُدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه، ويُتعبد له، من غيره من الناس”.
6 ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَطْوِي اللَّهُ عزَّ وجلَّ السَّمَواتِ يَومَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بيَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يقول: أنا المَلِكُ، أيْنَ الجَبَّارُون؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُون. ثُمَّ يَطْوِي الأرَضِينَ بشِمالِه، ثُمَّ يقول: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبَّارُون؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُون؟) رواه مسلم.
7 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّل، فيقول: أنا المَلِك، أنا المَلِك، مَن ذا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن ذا الذي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَه، مَن ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له، فلا يَزالُ كَذلكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْر) رواه مسلم.
8 ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلاَتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين، لاَ شَرِيك له، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنا أَوَّل الْمُسْلِمِين. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ) رواه مسلم.
بعض الآثار الإيمانية لاسم الله تعالى “المَلِك”:
1 ـ تفرد الله تعالى بالمُلك دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة، وأن عبادة مَن سواه ممن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا أعظم الضلال. قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(المؤمنون:116).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الزمر:67)، وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بِيَدِهِ ويُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِر: يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ أَنَا الْجَبَّار، أَنَا الْمُتَكَبِّر، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيز، أَنَا الْكَرِيم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: لَيَخِرَّنَّ به) رواه ابن حبان.
2 ـ اسم الله “الملِك”: يُبيّن كمالَ مُلك الله تعالى، ونقص وزوال مُلك الإنسان، وأن الإنسان في حقيقته عبد مملوك لخالقه، وأن ما يملكه إنما هو مِلك لله على الحقيقة، لأن ملكية الإنسان ملكية نسبية مؤقتة، وأن المالك الحقيقي هو الله تعالى، فلا يجوز للإنسان حينئذ أن يتجاوز هذه الحقيقة بالطغيان والتعالي والتكبّر، كما حكى الله تعالى عن فرعون الذي تجاوز حدوده كإنسان ضعيف مخلوق: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(الزُّخرف:51).
وقال صلى الله عليه وسلم: (يَطْوِي اللَّهُ عزَّ وجلَّ السَّمَواتِ يَومَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بيَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يقول: أنا المَلِكُ، أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الأرَضِينَ بشِمالِهِ، ثُمَّ يقول: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟) رواه مسلم.
3 ـ ومن مقتضيات وآثار العلم والإيمان اسم الله عز وجل “الملك”: أن يسأل العبدُ ربَّه بأن يعطيه ويغنيه، لأن الله هو الملِكُ الحق، الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه ومقاليده ومفاتيحه، فهو المالك لكل شيء حقيقة، وهو المعطي المانع سبحانه جلّ في علاه. قال صلى الله عليه وسلم: (يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، فيقول: أنا المَلِك، أنا المَلِك، مَن ذا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن ذا الذي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَه، مَن ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).
قال ابن القيم في “طريق الهجرتين وباب السعادتين”: “إن حقيقة المُلك: إنما تتم بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة، والإثابة والعقوبة، والغضب والرضا، والتولية والعزل، وإعزاز مَنْ يليق به العز، وإذلال من يليق به الذل. قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران:27:26)، وقال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}(الرحمن:29)
يغفر ذنبا، ويُفرج كَرْبًا، ويكشف غمّا، وينصر مظلوماً، ويأخذ ظالماً، ويفك عانيا، ويغني فقيراً، ويَجْبر كسيراً، ويشفي مريضاً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويعطي سائلاً، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس، ويرفع أقواماً ويضع آخرين، ويسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها، فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه، وجرى به قلمه، ونفذ فيه حُكمه، وسبق به علمه، فهو المتصرف في الممالك كلها وحده، تصرف ملك قادر قاهر، عادل رحيم، تام الملك، لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض، فتصرفه في المملكة دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة والرحمة، فلا يخرج تصرفه عن ذلك”.
4 ـ ومِن مقتضيات وآثار الإيمان باسم الله “الملك”: أن يعلم المسلم أن لكل ملكٍ حِمًى، وحِمى الله عز وجل محارمه، فمَن أراد لنفسه النجاة، فليتَّق عقوبة المَلك عز وجل بطاعته، وعدم معصيته، واجتناب محارمه. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَه، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُه، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَة: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَد الجَسَدُ كُلُّه، ألَا وهي القلْب) رواه البخاري.
قال الكرماني: “(محارمه) أي: المعاصي التي حرمها كالقتل والسرقة، ومعناه أن الملوك لكل واحد منهم حِمى يحميه عن الناس، ويمنعهم دخوله، فمن دخله أوقع به العقوبة، ومَن احتاط لنفسه لا يقاربه، خوفا من الوقوع فيه، ولله تعالى أيضا حمى وهو المعاصي، من ارتكب شيئا منها استحق العقوبة”. وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “والمراد بالمحارم: فعل المنهي المُحرَّم، أو ترك المأمور الواجب”.
عندما تستقر في قلبك حقيقة أن الله هو الملك، لن ترى سلطانًا في الأرض إلا ظلًا زائلًا أمام ملكه، ولن تنحني إلا لعظمته، ولن تطلب إلا من خزائنه التي لا تنفد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.”
(متفق عليه)
هذا الحديث يختصر معنى الملك الحق: العطاء والمنع بيده وحده، وكل قوة دنيوية لا وزن لها أمام إرادته.
إذا كان الله هو الملك، فأنت لست سوى ضيف في ملكه، فاعمل فيه بما يرضي صاحب الملك.
تابع رحلتك معنا في تدبر أسماء الله الحسنى
كل اسم من أسماء الله هو مفتاح لفهم أعمق لعظمته، وباب يفتح لك آفاق القرب منه، ونور يهدي قلبك في طريق الإيمان.
لا تفوّت المقال التالي من هذه السلسلة الروحانية، وتعرّف على اسم جديد من أسمائه سبحانه لتزداد معرفةً ومحبةً وخشيةً.
للاطلاع على جميع المقالات في هذا التصنيف، اضغط هنا
تابعونا على قناتنا الرسمية “نور وهدى” على اليوتيوب
ندعوكم لزيارة قناتنا “نور وهدى” التي أعددناها خصيصًا لنشر النور الرباني والمعرفة الإيمانية.
تجدون فيها:
-
القرآن الكريم كاملًا بصوت الشيخين عبد الباسط عبد الصمد وسعد الغامدي
-
برامج متميزة مثل “شرعة ومنهاج” لعبد العزيز الطريفي، و“الأمثال القرآنية” لمحمد صالح المنجد
-
خطب الجمعة، وفيديوهات دعوية وتنويرية تلامس القلوب والعقول
-
سلسلة “من الظلمات إلى النور”: قصص دخول غير المسلمين إلى الإسلام
🔔 ندعوكم للاشتراك وتفعيل الجرس لتكونوا معنا في رحلة النور والهدى والعلم.